الأحد، 15 مايو 2011

شباب يعشقون الحرية حتى الموت

   يعتقد البعض جازماً أن الحرية تصنع بسواعد الرجال، وهذا صحيح ومثبت من خلال كثير من الشواهد، ولكن السؤال هل يستفيد من هذه الحرية الرجال الذين صنعوها؟ لأن الشواهد تدل على أن هؤلاء الرجال إما سقطوا شهداء أو دفعوا معظم سنوات حياتهم سجناً ليعيشوا الحرية التي يعتقدون أنها الفردوس على الأرض. ما أشار إليه البعض من خلال الثورات التي تأخذ طابعاً سلمياً عنيفأ يتطور إلى تمرد وعصيان وانقلاب يفسره البعض على أنه صراع على السلطة وليس الحرية. بينما الإنسان العادي الذي يخرج من بيته مناصراً لفكرة الحرية يكون في بداية الأمر مسالماً يطلب أقل القليل مما يعتبره حقاً له؟ وما يلبث يكبر هذا القليل ويتطاول ويربو إلى كل الحقوق ولكن هذه المرحلة تحتاج سلاحاً لأن (العدو) الذي منع عنه هذه الحرية وبقية حقوقه معها لن يتنازل عن مصالحه بسهولة.
   عندما خرج أهل تونس مغاضبين على رئيسهم لم يعرفوا أنهم سوف يكسبوا معركة عمرها أكثر من 60 عاماً منذ خروج الاحتلال من تونس. أما المصريون فكان خروجهم بقصد إسقاط النظام منذ الساعات الأولى لبداية الاحتجاجات وأخذت الاحتجاجات تتوسع شيئاً فشيئاً حتى أصبحت حالة عامة بعد أن انضم كل متردد وخائف لينهي حالة الفوبيا التي يعيشها منذ عقود. وعندما حاول الشباب الليبي الانضمام لركب التغيير واجه الشباب العربي أول عقبة في وجهه وهي الرد على الاحتجاج بالرصاص القاتل وهنا تطورت مرحلة الاحتجاج السلمي ووقع الشباب أمام خيارين أحلاهما مر، إما متابعة المسيرة والفائز من يبقى حياً أو العودة إلى المنزل واعتبار ما حصل نزوة عابرة.


    تعود بي الذاكرة إلى فترة اليقظة العربية التي تبعت سقوط الدولة العثمانية ومحاولة الاستعمار الجديد (فرنسا إنكلترا هولندا إيطاليا إلمانية) اقتسام تركة الرجل المريض (الدولة العثمانية) والسيطرة على الإمارات العربية آنذاك ودفعهم ليكونوا مقاطعات ودول مستقلة ذاتية وتابعة ضمنياً لهم. ولكن اندلاع الثورات في عدة دول عربية على خلفية تحريض المثقفين (الجمعية العربية الفتاة) وتنبيه الشعب لمخاطر التبعية لهذه الدول التي بدأت برسم خطط وبناء مدن ومدارس وجامعات تدس علمهم وثقافتهم في الطريق لتمزيق الهوية وجعل هويتهم ودمغتهم العلم الوحيد في متناول تلك الشعوب. عملية التوعية لمخاطر الاستعمار وفضح خططه تلك كانت تتم في تلك الأيام في الظلام والخفاء ويتناقلها الشباب العربي فيما بينهم بشكل سري (كما يحدث الآن ولكن عن طريق الشبكة العنكبوتية) فعندما تصل الأخبار عن قيام المستعمر الفرنسي بمجزرة في الجزائر كانت الأخبار تصل متأخرة إلى سوريا ولكن التلبية كانت تخرج من سوريا لمساندة الجزائر ضد المستعمر إما داخل سوريا وفي الجزائر نفسها. وعندما خرج الجيش المصري لمساندة أهل اليمن في حربهم ضد الانكليز لم يكن عبدالناصر لدفع الأموال للتجنيد بل كان الأمر يوجه إلى الأهالي مباشرة إما من خلال خطباء المساجد أو من خلال زعماء القرى ليتوجه الشباب بالآلاف للتجنيد والذهاب للدفاع عن الحرية في آخر أصقاع الأرض.  اليوم نستعيد تلك الأيام الجميلة التي كان يتغنى فيها الشعراء السوريون بأبطال الجزائر ويتدافع المصريون للدفاع عن السودان ضد الاحتلال الانكليزي ويتجند العراقيون للزحف إلى فلسطين.  اسمحوا لي أن أذكر أن هناك شاعر موريتاني كتب قصائد في فلسطين جعلتني أبكي أياماً وليالي على تخاذلي.


    إذا إردنا أن نقارن بين فترة الثورات التي عاشتها الدول العربية ضد المستعمر الغربي والفترة الحالية ضد المستعمر المحلي، بإمكاننا وضع التوقعات لما سيحصل في الأيام القادمة. على سبيل المثال (ستكون التواريخ مجمعة على خروج آخر جندي محتل من كل بلد عربي وإلغاء الاتفاقيات الاستعمارية): حصلت تونس على الاستقلال بشكل رسمي عام 1956 وكان ذلك بعد الاستقلال الرسمي لمصر عام 1952 أي أن الفترة الفاصلة بين الدولتين كانت 4 سنوات، بينما الفترة الفاصلة بين الثورتين  ضد الاستعمار المحلي كانت 27 يوماً ولكن هذه المرة لصالح تونس. حصلت سوريا على الاستقلال من الاحتلال الفرنسي قبل مصر وتونس ب 6 سنوات (1946) ولكن الاحتجاجات اليوم  ضد المستعمر المحلي قد تطول أكثر من الفترة القصيرة بين مصر وتونس (27 يوم). ولكنني لا أستطيع الجزم إن كان الليبيون واليمنيون سوف يتلقون دعماً عسكرياً من مصر كما حصل في الثورات السابقة ضد المستعمر الغربي لأن المستعمر المحلي بحاجة لأساليب محلية في مناهضته.
  من خلال المتابعة لأخبار الثورات الحالية ترى أن عشاق الحرية من كافة أصقاع العالم يتبادلون النصائح وتقديم المساعدات بأي شكل كانت (النصائح التي يقدمها المصريون والتونسيون وحتى اليمنيون للشبان السوريين في كيفية مواجهة الغازات المسيلة للدموع وأماكن الاحتجاجات وطريقة الهرب والتجمع) لأخوانهم من عاشقي الحرية لدرجة أن البريطانيين شعروا بالغيرة وأرادوا تطوير احتجاجاتهم ضد التقشف إلى اعتصام مثل اعتصام ميدان التحرير واتخذوا شعاراً لهم ( الاحتجاج مثل المصريين) ما دفع ب أكثر من 200000 مواطن بريطاني إلى الشارع في مسيرة غير مسبوقة في 26 من مارس 2011. ولكن نصائح المصريين للبريطانيين كانت على شكل شعارات مثيرة للضحك من المسؤولين البريطانيين.


   للإجابة على التساؤل الذي طرح في بداية المقالة حول الشاب الحر وما هو وجه الفائدة لديه في حال سقط شهيداً دون حرية لم يستطع نيلها في الدنيا؟ إن الشباب الواعي في هذه المرحلة من التطور المعلوماتي عرف أن ما حرك الثورات السابقة في بلاده هو عشق الحرية والتضحية من أجل الحصول عليها أو حصول أهله وأولاده عليها فلا فرق عنده فالموت بالنسبة لطالبه في سبيل تحقيق هدف سامٍ هو الحرية بعينها (الموت ولا المذلة)، بينما ركز معظم الزعماء العرب على تعليم أجيالنا أن التضحية في سبيل الحاكم وليس في سبيل الوطن أو المعتقد أو الحق والذي يتفرع عنه حق التحرر من العبودية.