الخميس، 31 مارس 2011

الجمعة العصيبة

   توالت تسميات وصفات عدة لأيام الجمعة، بحيث تعكس حالة الشارع العربي وما وصلت إليه من تردٍ كان غير معلن عنه لعقود مضت. البارحة خرج الرئيس السوري بشار الأسد في أول ظهور له بعد الاحتجاجات التي بدأت منذ أسبوعين في مدن عدة في سوريا، في خطاب دام أكثر من 50 دقيقة شرح فيه عن الماضي والحاضر والمستقبل للأوضاع في سوريا مركزاً على أنه جاهز للحرب في حال أرادوا ذلك.
   ظهور البارحة مهدت له المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بجملة من القرارات التي كانت تحت الدراسة على حد تعبيرها وكان من المتوقع أن يتخذ الرئيس الأسد قراراً بالتنفيذ ولكن، يبدو أننا جميعاً أخطأنا في فهم ماهية هذه القرارات. على سبيل المثال لا الحصر (قالت بثينة شعبان: رفع قانون الطوارئ) المستمع العادي لهذه الكلمات يفهم بأن القرار الذي سوف يتخذ هو إنهاء قانون الطوارئ، لكن ما تمخض الخطاب عنه البارحة هو رفع مستوى قانون الطوارئ. إلى أي مستوى لا أحد يعلم لأنها اسرار أمنية سوف تترجم للأسف يوم الجمعة. زكما تعودنا نحن في سوريا على ترجمة خطاب الرئيس وشرحه وتداوله وتدريسه وتغيير المنهاج الدراسي لإدراجه وفي بعض الأحيان تنفيذ بعض ما ورد فيه، حتى الامتحانات الجامعية يجب أن تتمحور إحدى المواد الدراسية في الجامعة حول خطاب الرئيس، أنا شخصياً عانيت كثيراً حتى استطعت في النهاية أن أنجح فيها. وهذا طبيعي فلكي تفهم هكذا الخطاب أنت بحاجة لدروس خصوصية.
   كنا دائماً ودوماً كسوريين نعبّر عن فرحتنا بكل مشاعرنا الورقية والحنجريّة والقدمّية (الدبكة) بعد خطاب الرئيس لمدة لا بأس بها، ثلاثة أيام أحياناً أسبوع، فيما كان يسميه النظام العرس الجماهيري. ما كان يثير حفيظتي خلال أيام كتلك أن الجميع دون استثناء يتوجهون إلى الساحات مدفوعين من مدرائهم في العمل بالإضافة لزعماء عائلاتهم الذين يوجهونههم في يوم سابق للتوجه إلى الساحات وبالتالي يقوم هؤلاء بتوجيه أولادهم في سلسلة لا يمكن كسرها.
   مالذي حصل الآن، ما رأيته يوم الثلاثاء كان أقل من مسيرة تأييد للرئيس المراقبون من الخارج لم ينتبهوا لذلك. إن الأعداد التي خرجت هذه المرة مع أنها كثيرة ولكنها قليلة مقارنة مع ما كنا نفعله أيام الدراسة وحرب العراق والأزمة اللبنانية السورية. هناك شرخ كبير بين النظام والشعب في سوريا ظهر للعيان يوم الثلاثاء29-03-2011، ساحة السبع بحرات في دمشق أصغر بكثير من ساحة الأمويين أو ساحة العباسيين، لماذا هناك وليس أي ساحة أكبر وأين المنصات الجماهيرية وأين الخطابات الموالية ما الذي يحصل في وطني؟
   أعود لأذكر أن الرئيس لمح في خطابه الأخير30-03-2011 إلى أنه مستعد للحرب ولم يعزي بالشهداء وركز على كلمة (شعبي)، أما أنا فخائف من يوم جمعةٍ سيكون عصيباً على سوريا كلها.
    
31-03-2011

الخميس، 24 مارس 2011

القلم أصدق أنباءاً من الانترنت

   أذكر في أول مرة قررت فيها التعبير عن رأيي من خلال ممارسة مهنة الكتابة، أنني كنت في الجامعة ووقعت على إحدى نشرات الجريدة الجامعية وعلمت أن أي طالب (بغض النظر عندو واسطة أو ماعندو) ممكن يكتب وينشر من خلالها وفي نفس الوقت كنت شهدت بعض الملاحظات السلبية التي أرقتني وأقضت مضجعي كطالب مراهق مناضل ثائر يريد تغيير الحال إلى الأفضل بطرفة عين!!! استللت قلمي وبدأت أحفر في الخنادق وأركب البحار وأغزو البلاد وأشرد العباد وأقتل الفقر وأمنع الفساد وأمارس الديمقراطية وأرفع الظلم حتى استيقظت على صراخ تلك الورقة البيضاء المسكينة معلنة أنني إن لم أتوقف ستسقط شهيدة بين يدي إذا لم أترك لها مكان للتنفس.
   عندها رضخت لتوسلاتها المستميتة وعفوت عمن بقي من المفسدين والظلمة واكتفيت بما كتبت.  ألقيت عليها نظرة سريعة علتها البهجة والانتصار مبشرة بالاحتفالات المبهجة التي ستغزو شوارع وطني (طبعاً بعد التظاهرات التي ستقوم من أجل تطبيق التوجيهات المكتوبة في الورقة)، فمقالة كالتي كتبت تنقش بالذهب عادة وتدرس بالمدارس وتقام عنها ندوات وتكتب حولها دراسات، من يعلم، قد يقرأها أحد الصحفيين الأجانب البارزين الكبار فيأتيني طالباً للقاء أو حتى أن الأمر يتطور لينتج عن قصة حياتي فيلماً وثائقياً.
   توجهت في اليوم التالي إلى مكتب الطلبة باحثاً عن الشخص المسؤول عن النشر في الجريدة المنشودة. كان المكان شبه مهجور(مبنى مؤلف من طابقين يضم عدة غرف تحتوي بعضها مكتبين متداخلين من أجل السكرتيرة!!!)  ما عدا بواب وبعض الموظفين أما الطلبة فمعظمهم ملتحق بكلياتهم أو يديرون شؤون الطلبة في قسم من أقسام الجامعة. بعد جهد جهيد التقيت بأحد الإداريين وكان أحد أصدقاء الطفولة ومن نفس التي أعيش فيها، استقبلني بكل احترام وفرح لأنني أحاول نشر مقالة في الجريدة وأراد مساعدتي فتوجهنا سوية إلى المكتب المسؤول ودخل وحدثه عن الأمر وعاد ضاحكاً قائلاً: "إذهب واطبعها على الكمبيوتر وقدمها مرة أخرى." عندها تذكرت أن ثورة المعلوماتية وصلت طراطيشها إلى المكتب الإداري في جامعتنا وأدركت أنني متأخر بعض الشيء عن عجلة التقدم في وطني لأنني لا أملك حاسوباً ذكياً! دخلت دائرة صمت حزينة عندما، لم أعرف كيف أعبر عن حزني لا كتابة، كوني لا أملك حاسباً، ولا شفهيا، كوني كاتب بالفطرة على ما اعتقدت ومن العيب أن أعبر عن نفسي شفهياً ماذا سيقول عني زملائي عمالقة الأدب والفكر، عندها صببت جام غضبي على الشخص الوحيد الذي ساعدني لأنه كلمني عن الحاسوب بتهكم ظناً مني أنه كان يعيرني بفقري، كانت كلمات غير مفهومة ولا أذكرها ولكنها جارحة على ما أعتقد لأنه شعر بالإهانة أمام البواب وحاول الرد ولكنني كنت قد رحلت بعدما مزقت مفتاح الثورة وطرحته أرضاً.   

الثلاثاء، 22 مارس 2011

أعلنتك قائداً للثورة

أعلنتك قائداً للثورة
سيدي الرئيس
 تحية طيبة،،، وبعد
   لقد كانت فترة حكمك مثمرة بكل ما تعنيه الكلمة، نعم سيد ي الرئيس لقد حققت جزء كبيراً من رؤيتك المستقبلية لوطننا الحبيب سوريا. نحن نعلم أنك جلبت معك من المملكة المتحدة أفكاراً بناءة أردت تطبيقها على أرض سوريا الحبيبة للنهوض بهذا الوطن الجميل ليكون في مقدمة دول المنطقة على الأقل. واليوم يثبت لك الشعب السوري نجاح أفكارك البناءة في هذا الوطن فهم الآن كسروا حاجز الخوف بطريقة حضارية وأثبتوا للعالم أجمع أن التطور الذي وصل له الشعب السوري في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمالية والتقنية وضعهم في مقدمة شعوب المنطقة. أنظر إليهم سيدي الرئيس كيف يستميتون لإثبات وجهة نظرهم ويحاولون إيصالها بكل الوسائل التقنية الممكنة. الوسائل التي سمحت بتداولها في سوريا بعد حقبة طويلة من التعتيم الفكري والإعلامي والاقتصادي التي رزح الشعب السوري خلالها تحت سلطة الأمن لتوطيد السلطة والحفاظ على السلم داخل حدود الدولة السورية العظيمة. واليوم نتائج التطور التقني والاقتصادي وتحسين الدخل للفرد ظهرت للعلن فبعد أن كان الشعب يبحث عن الثروة داخل وخارج سورية صار بإمكانه البحث داخل سوريا دون النظر للهجرة. وبعد ذلك بدأ ينظر لنفسه وأحواله وما ينقصه فوجد أن بعض حرية التعبير وتعنت سلطات الأمن الخشبية تتضاربان على أرض وطننا الحبيب، لذلك يحاول الشعب الآن أن يعبر عن وجهة نظره بتغيير هذه الحال بأي وسيلة ممكنة.
   سيدي الرئيس، كما أسلفت لك سابقاً نحن لا ننكر ما قدمته لنا (شعباً ودولة) وعليه أتوسل إليك أن تنظر بعين أخرى لهذه الرسالة، وأنا لا أستحي أن أتوسل لأجل أبناء وطننا الحبيب سوريا.
   سيدي الرئيس، لقد أخذ والدك الرئيس الراحل حافظ الأسد قراراً صعباً وأراد أن يثبت صحته خلال 30 عاماً من فترة حكمه للجمهورية العربية السورية ولكن وللأسف اضطر لاستخدام القوة أحياناً، وكانت قوة عنيفة لم يستطع من ذاق طعمها نسيانها، بل أكثر من ذلك أورثها لأبنائه من بعده كي يتابع مسيرة ما يعتبره نضالاً من أجل حرية كان ينعم بها قبل اللجوء للعنف، والمثير في الأمر أن مفتاحها في يدك سيادة الرئيس! وعليه أتوسل إليك أن تستخدم هذا المفتاح.
   سيدي الرئيس، ما المانع أن تقود حركة تصحيحية ثانية؟ ما المانع أن تكون أنت من يقود التغيير الذي يطالب به الكثيرون في سوريا؟ لقد قرأت ما كتب عن بعض ما حصل عام 1970 في سوريا (نظراً لعدم وجود مصادر صحيحة لتفاصيل قيام الحركة التصحيحية) وما فعله والدك الرئيس الراحل حافظ الأسد لكي يستلم زمام الأمور وينهي حالة الفوضى التي كان يعيشها وطننا الحبيب سوريا في تلك الآونة.
   أؤكد لك سيدي الرئيس أن ما ستفعله يجلب الخير، كل الخير والشرف والكرامة والكبرياء لأبناء وطننا الحبيب سوريا، لذلك أستجدي مقامك الرفيع أن تصدر مرسوم العفو الذي ينتظره الآلاف داخل وخارج سوريا على حد سواء، في خطوة سابقة تثبت للجميع أن سوريا ليست تونس ولا مصر ولن تكون أبداً بإذن الله ليبيا أو اليمن. ما هو الأمر الجلل الذي يمنع هؤلاء من العودة؟ أيوجد أفراد من حولك يهابونهم أو يخافون مسائلتهم على قضايا قديمة ارتكبت بحقهم فليأتوا وليحتكموا للقضاء السوري وهو الفيصل بينهم في حدث عظيم سيجله التاريخ بأحروف من ذهب لم يحصل في أكثر الدول تقدماً من قبل. أنت بريء منهم سيدي الرئيس ولن يسائلك أحد عن الأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة السابقة لحكمك، على العكس خطوة كهذه تثبت انتصارك في انتخابات رئاسية مقبلة لن تشهد لها المنطقة مثيلاً لرئيس دولة يحتكم لصندوق الاقتراع وينتصر على منافسيه دون سماع أبواق المشككين من الخارج الذي يتربص بنا وبأمننا.
    سيدي الرئيس لننظر للأمر من جهة أخرى، كيف سيكون رد الشعب في حال أقمت الإصلاح السياسي المرتقب بنفسك؟ أنا متأكد أن الشعب في سوريا الحبيبة لن يثق برئيس غيرك لينتخبه في حال حدوث المنشود، فالشعب في سوريا لديه مواقف معينة من أفراد حولك (أكل الدهر عليهم وشرب) ومازالوا حتى يومنا هذا يأخذون من الوطن ولا يعطونه، بل يعطون أولادهم! وأنت يا سيادة الرئيس دائماً في الواجهة تتلقى النقد وتتعرض للإحراج بسبب أفراد يريدون الربح المادي بغض النظر عن الطريقة التي يستخدمونها للوصول إليه.
   سيدي الرئيس، ستة شهداء من أخوتي سقطوا في درعا (حتى لحظة كتابة هذه الرسالة) والمئات من أخوتي وأخواتي اعتقلوا بينهم فتيات في سن الربيع لا يجب معاملتهن بسوء فهن لم يرتكبن حماقة تجعل منهن مجرمات بحق المجتمع والدولة، أما أخوتي فلا يعيب الشاب سجنه أو مسائلته ولكن يستحق منك العفو يا ولي أمرهم وأمرنا.

أختم رسالتي بعبارة توجه إلى كل رجل أصله طيب وكريم.
العفو عند المقدرة من شيم الكرام

الجمعة، 18 مارس 2011

عندما ينظر العربي إلى السماء

عندما ينظر العربي (المصري) إلى السماء

استلقيت تحت أشعة أشعة الشمس لأحظى بقسط من الراحة، أغمضمت عيني معلنا دخولي في غفوة نرجسية تأخذني إلى عالم أحلام اليقظة الذي أعشقه وأنتظره بفارغ الصبر كل يوم. استسلمت بكامل أطرافي وحواسي   ومشاعري إلى عالم وردي تغطيه الأزهار ومزين بالحوريات اللائي تفوح منهن عطور الياسمين  والحبق، بدأت أتجول بينهن كالنسيم ملقياً بسهام عشقٍ أبدي لم يختبرنه من قبل، فجأة ارتعتني رعشة دخلت من أسفل قدمي لتخرج من أعلى رأسي ، قاومتها كي لا أفتح عيني ولكنني أجبرت بعد صراع طويل معها أن أفتح عيني واسعتين بكل قوة، في بادئ الأمر كنت مشدوهاً من المشهد السريالي لفضاء واسع سحيق يمتد إلى ما لا نهاية. عدلت حدقة عيني في محاولة للتركيز في هذا الفضاء الواسع علّني أجد له نهاية، عبثاً أحاول، جربت أن أنصت وأدخل جسدي في سبات عميق لأستجمع قواي وأركزها في عيني ولكن هذه المحاولة أيضاً باءت بالفشل. ما أريد من هذه المحاولات أن أضع حدوداً لما أنظر إليه، أنصت قليلاً لدقات قلبي التي استمعت إليها بتناغم سرمدي لا نهاية له أيضاً وشعرت براحة وقوة في آن معاً في كل مرة يضخ فيها القلب الدماء في عروقي وأنا أشعر بارتدادها من رؤوس أصابع قدمي حتى قمة رأسي. وبدون مقدمات اقتحم عصفورفضائي النظري، استشطت غضباً، ركزت في جسمه جيداً علني أحفظ شكله، شكله، نوعه، لأي مجموعة ينتمي أ, حتى رقم لوحته لأشتكيه للأمم المتحدة ردّاً على هذا الخرق الصريح لمملكتي الجديدة. التف حول نفسه ثلاثاً أتبعها بخط مستقيم من الشرق باتجاه الغرب ومن ثم قام بدورة كاملة اعتبرتها وداعية وانطلق بلمح البصر. أشك بأنه يعمل لدى جهة معادية لي ممن يتربصون بي ليوقعني ويستولوا على مملكتي ومن الممكن أن يكون تابعاً لإحدى شركات البترول، سمعت بأنهم ينقبون جواً هذه الأيام. لحظة واحدة هل يعقل بأنني أمرت الوزير أن يقوم بإحصاء سكّاني للملكتي وهو يستخدم هذه العصفور للتصوير مثلاً، سمعت أنهم يصورون جواً ثم يعدون المتواجدون بالصور، حمداً لله أنني كنت خارج المنزل عندما التقطوا الصور وإلا لما شملني الإحصاء. تابعت مراقبة حدود مملكتي التي لانهاية لها خوفاً من أي تدخل أجنبي سافر أو اعتداء، في تلك الأثناء حطت ذبابة على أنفي، استغربت من هذه التصرف، وقفت ووجهت لي نظرة غريبة مدة طالت كثيراً وهي جامدت في مكانها، تبادلنا النظرات طويلاً وهي لا تحرك ساكنا. رفضت بادئ الأمر استخدم القوة المفرطة معها، خوفاً من الشكاوي التي تنهال علي من جمعية حقوق الإنسان والتي تهدد دائماً بقطع المعونات الأجنبية عن مملكتي. حاولت بادئ ذي بدء توجيه نظرة ساخطة اعتدت استخدامها في حالات مشابهة وأتت بنتائج ناجحة، ولكنني عبثاً أحاول، يبدو أنها ذبابة أجنبية لاتعرف عن قدراتي وإنجازاتي في هذه المجال، لو أنها فقط قابلت أحد ضحاياي لتراجعت قبل أن أحاول، إنتظر لحظة..... ملامحها وشكلها توحيان أنها من رعايا مملكتي الحبيبة ولكن اللباس والمظهر الخارجي يوحيان بالعكس! قد تكون ممن سافر قبل فترة طويلة وعاد الآن محاولاً هدم ما بنيته أعواماً طويلة. ولكن لا وألف لا.... لن أسمح لأي تدخل خارجي ولا داخلي أن يخرب ما قضيت ردحاً من الزمن في بنائه وتهذيبه. سألتف عليها من جهة أخرى.. سأجعل منها عبرة لأي ذبابة تفكر في التدخل بشؤون مملكتي، ماذا يعرفون عن التضحيات التي قدمتها، ماذا يعرفون عن عمري الذي أفنيته في بناء مملكتي. أولاً سأغلق مكاتب الصحفيين متذرعاً بالتراخيص وأصادر مكاتبهم، وسأصدر الأوامر للتلفزيون الوطني بنشر صوري وبعض إنجازاتي خلال الفترة الماضية (آه... أنا لا أذكر آخر إنجاز أنجزته) وليعرضوا فيلما كوميدياً يظهرني بمظهر الوطني المتحفظ خفيف الظل، ولا بأس من الأغاني الوطنية بين الحين والآخر. مهلاً قليلاً، لقد سمعت عن أسلوب جديد في التعتيم: إشغال الرعايا بحدث مهم عن ما أريد إنجازه في السر! سمعت أن الدول المتقدمة تستخدم الفنانين العالمييين في حفلات ضخمة تتصدر فيها أسماؤهم وصورهم الصحف والمجلات ومحطات التلفزة، أسلوب جديد ممكن استبدال أسلوب إغلاق مكاتب الصحافة الأجنبية بأن ينشغلوا بهكذا أحداثأحداثأحأ  ، والشخصيات السياسية والدينية الهامة يمكن أن يشملها نفس الترتيب. هذا أفضل من أسلوب افتعال أعمال تخريببية إرهابية وإلصاق التهمة بالمعارضة (الموضة حالياً) وتقسيم الرعايا إلى فريقين والتهجم على بعضهما البعض، كما يفعل بعض زملائي في نفس المهنة! حسناً، قد يأخذ تنفيذ المهمة وقتاً ولكن لا بأس المهم النتيجة، علي أولاً أن أقوم ببعض الاتصالات لكي أحصل على ضوء أخضر لتنفيذ المشروع.......مهلاً توقفي .... توقفي ...... إلى أين أنت ذاهبة ؟؟؟ لماذا تفعلين هذا بي؟؟؟ كنت سأمرر بعض القوانين والتعديلات الدستورية خلال هذه العملية.... ستذهب إلى مملكة أخرى وينتفع غيري منها....ماذا أفعل الآن؟ قد أضطر لإرسال مبتعثين وأتأكد أن يعودا إلي بهذه العقلية حتى أنفذ مشاريعي الكثيرة التي تشغلني عن أحلامي.....
عاودت النظر إلى فضائي الواسع... آه ما أجملك من فضاء ... ما أجملك يا مملكتي. أنت أجمل مملكة حكمتها حتى هذه اللحظة. ليتني أبقى حاكماً عليك حتى أموت، كي أتمتع بجمالك من فوق، أجمل الممالك التي ينظر إليها من فوق.... غفوت قليلاً لأعود إلى عالمي الوردي المليء بالحور العين والزمرد والأنهار الملبنة والعسلية، لكن صوت الهاتف المحمول أقض مضجعي وأمرني أن أنتصب واقفاً لأعود إلى عملي وحياتي الطبيعية.....
مهلاً! لماذا أمشي رافعاً رأسي إلى السماء؟ لماذا لدي هذا الشعور الغريب بالعزة والافتخار؟ لم أشعر أن خطواتي تحملني على ممر هوائي يجعلني أطير كالنسيم؟ هل ما زلت داخل عالم أحلامي؟ أم أن ما يقال عمن ينظر إلى السماء مرة لايرضى أن يحنى رأسه ثانية، هي مقولة صحيحة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟     

03-02-2011

هرطقيات

إن كنت تريد أن تعرف معنى الحرية أنظر في عيني طفل سمح له أكل الآيس كريم
أو انظر في عيني معتقل يغرد خارج السجن مثل طائر الكريم

غارات 2

تجمعات لمسيرات إلى مظاهرات فاحتجاجات، احتجاجات فصدامات فعراكات فمشاجرات فاقتتالات، فمطالبات واططلابات، إجراءات وتحذيرات فتهديدات فاعتصامات، تفريقات وتفرقات، مفارَاقَات وغير مفارِقات، استهدافات وتهديفات صائبات وأخرى خائبات، رصاصات رصاصات مطاطيات وأخرى حيويات، مصيبات وغير مصيبات قاتلات ولكن مناصرات، إضطرابات وإضرابات مفيدات ومستفيدات، مناوءات وأخرى مناصرات مسالمات وغير مستسلمات.
احتجاجات تجر اعتصامات فتنازلات فانقلابات، تجمعات متواصلات أيامات ولكن ليس أشهرات، تساؤلات متناقضات هل هم رجالات أم نساءات أم نساءات صرن رجالات، سجالات ونقاشات عن تدخلات وأخرى خيانات، مناظرات تزاحم مقابلات فاتصالات (فشرشحات) أرضيات منها وأخرى فضائيات، عالميات تارة وتارة عربيات، مثلها محليات ومنها دوليات.
تناديات ومنتديات اجتماعيات وأخرى ثقافيات وكلها متطورات لتكون سياسيات، صفحات تحارب صفحات ترتدي قناعات مرة وأخرى حقيقيات، واقعيات وخرافيات، بخلفيات مبطنة وأخرى واضحات، وكلها متجمعات ومتفرقات لتكون خلافيات خلافيات خلافيات.
أجندات مزورة وتقريرات وافيات عن وفيات حصلت وولادات، خلاقات تارة وأخرى مخربات، إدعاءات لبناءات ، عنكبوتيات تارة وأخرى واهيات، 
يتبع


06-03-2011     

عشاء سافر

عشاء سافر
همس سفير بأذن آخر: سفير دولة (عجيب ستان) أخذ كل الأضواء والكاميرات منذ دخوله القاعة، وكأن لا سفير غيره هنا.
رد الآخر: هذا طبيعي فالحرب مشتعلة في بلده، والصحافيون يتسابقون لأخذ السبق الصحفي لكي يصعدوا ويتصدروا القنوات على ظهره. ولاحظ أن سفير غريب ستان يهتم به بضع من وسائل الإعلام فقط (واسطة) لأن بلده يكتفي بتظاهرات وإسقاطات لا أكثر.
أجابه الأول: نحن مثل نجوم هوليوود، مادة دسمة للصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية (الإخبارية طبعاً).
الثاني: ولكنك بحاجة للتصرف بشكل فوق الاعتيادي كالظهور عارياً أمام الكاميرات كما يفعل نجوم هوليوود المبتدئين، لكي تستقطب المطبخ الإعلامي كاملاً الإخباري والفني على حدٍ سواء.
الأول ضاحكاً: أو أن تشعل حرباً داخل وطنك أو ثورة، لتكن طويلة الأمد، وأنا أؤكد لك أن تكون سوبر ستار التلفاز والانترنت على حد سواء. (وتابعا الضحك ولكن باستغراب).
*****
على طاولة أخرى جلس سفير عجيب ستان يتأمل في الصحن الفارغ أمامه تارة وبأضواء بعض الكاميرات تارة أخرى إلى أن قاطعه صوت أحد منظمي الحفل.
منظم الحفل: سيدي! آسف على المقاطعة ولكن جاء دور سيادتكم لإلقاء الكلمة، أرجو منك سيدي أن تتوجه للمنصة الآن.
السفير: أجل، طبعاً، طبعاً.
فجأة اشتعلت القاعة بأضواء الفلاشات كالبرق في الأفق منذرة بمطر غزير.  توجهت أنظار جميع من في القاعة نحو رجل في العقد الرابع طويل القامة يرتدي بدلة سوداء أنيقة، يمشي منتصباً متثاقلاً كأنه مدفوع إلى منصة الإعدام.
بدأ السفير حديثه بالترحيب بالضيوف والشكر لصاحب الدعوة، وأثنى على الجهود التي قدمتها هذه الدولة ودول أخرى في إغاثة المتضررين من الحرب في وطنه. تابع السفير حديثه بينما أغلب الحاضرين انشغل بالحديث مع بعضهم البعض. لاحظ السفير عدم الاهتمام بما يقول وتذكر منذ قليل أنه مذ دخل القاعة وعدسات المصورين تلاحقه حتى وصل المنصة ثم صمتت أصوا ت الكاميرات لبرهة بينما ينتهي من إلقاء الكلمة لتكمل عملها، عند هذه اللحظة لمع ضوء إحدى الكاميرات داخل بؤبؤ عينه ارتد رأسه قليلاً للخلف وشعر أن القاعة تدور به وأن الدم انطلق من أخمص قدمه حتى أعلى رأسه. عندها قال: أعزائي الحضور اسمحوا لي أن أحييكم من وراء منصة الإعدام! وتوقف عن الكلام لبرهة. لم يستطيع البعض كتم ابتساماتهم أو النظر إليه باستهزاء ردأ على تكبره كما يظنون، بينما اكتفا البعض الآخر بالنظر مندهشين لما قاله.
أضاف السفير: نعم زملائي الأعزاء إنها المنصة التي طالما حلمت أن أرتقيها لأدافع عن وطني وأحكي للناس قصصاً عن جمال وطني ولكنني لم أعرف أنها منصة تنعدم عليها الأحاسيس وتنعدم عليها العواطف وتنعدم عليها كل ما من شأنه أن يمت لحقيقة الإنسان الواقعية بصلة. فهنا عليك أن تكذب وهنا عليك أن تراوغ وهنا عليك أن تشتم وتضرب بالأحذية أحياناً، ولكنني لا أعرف لماذا يحسد من يقف خلف هذه المنصة؟ لماذا يحاول الناظر إليك أن يجعل منك سلعة لأحلامه؟ لماذا يخطر ببال البعض أن يستنبط سبباً للوقوف هنا؟
أنا أكره نفسي لأنني يجب أن أكون أمام عدسات الكاميرا وأبناء وطني أمام فوهات البنادق أكره أن آكل الطعام الفاخر وأبناء وطني يطوون أجسادمهم لإسكات بطونهم، أنتم تعتقدون أنني أجدها فرصة سانحة لأتصدر عناوين الأخبار وعدسات المصوريين (اشتعل أضواء فلاش بضع كاميرات أمامه ، ابتلع ريقه وظهرت عليه علامات الإرهاق، فك ربطة عنقه وأكمل قائلاً) أرجوكم أوقفوا التصوير جسدي لم يبقى فيه موضع رصاصة أخرى. إلى كل من يحلم أن يقف خلف هذه المنصة أنصحه أن يوافق على حضور عشاء فاخر يضم رؤوساء وسفراء ورجال أعمال ولكن بشرط واحد أن تكون الحرب مشتعلة في وطنه.