لقد مرّ العرب بشكل خاص والمسلمون بشكل عام بفترة انحطاط وتقهقر جعلت منهم يفقدون مكانتهم بين الأمم الأخرى، لدرجة أنهم فقدوا معاني ومكاسب الاحترام التي ترفع قدر وشأن الشعوب. لمحة صغيرة؛ تعتمد قيم الاحترام عند الأمم بتقديرها لشعوبها والوقوف إلى جانبها أفرادا وجماعات بالاعتماد على شخصيات لا تتفرد بالسلطة بل تمثل فرق الأمة على أسس الجماعات المترابطة وليس كما حدث خلال فترة تمتد في الحاضر القريب بعد خروج المستعمر الأوروبي حتى نهاية العقد الأول من القرن العشرين. وأحد أهم أسباب الانحطاط الذي سببه ترك القيم الأساسية التي أقيمت عليها الحضارة الإسلامية بشكل عام والعربية بشكل خاص هو ترك ذلك الاحترام لأصغر فرد في هذا المجتمع المتعدد الأعراق الذي سمح لامم أخرى بالتطاول والتحكم وحتى الاحتلال باسم قيم كانت من المفروض أن تكون من أساسيات تكوين الحضارة الإسلامية المعاصرة.
أما فيما يتعلق بالسبب المباشر لهذا الانحطاط الذي يرجع بشكل واضح لسوء استخدام السلطة من قبل الأفراد الذين وصلوا إلى السلطة بطريقة شرعية أو غيرها، جعلت من حياة المواطن العربي والمسلم رخيصة لدرجة ان سبل الحياة البسيطة باتت صعبة المنال. ودفعت بالمواطن المسلم للبحث عن هويته بين أمم أخرى دفعت البعض أحيانا إلى الاندماج بهم ونسيان أصولهم وتاريخهم على حساب العيش بكرامة واستقلالية حرة.....
بينما يصنف القلة القليلة ممن شعروا بالامتعاض لما وصلت له حضارتهم من الانحطاط ودفعت بهم للنفور واقتراح أسباب لذلك الانحطاط تعود لتمسك الحضارة الإسلامية بتاريخ أكل عليه الدهر وشرب، من وجهة نظرهم، بغض النظر عن القيم التي يحاولون فرضها على الأمة الإسلامية عامة والتي تدفعها للانحلال في مجتماعات أخرى تعتبر في نظرهم متحضرة؛ وهذا مستحيل طبعاً لأنهم أغفلوا أهم نقطة في أساس الحضارة الإسلامية وهي أنها تقوم على أساس التاريخ المتجدد.
بالعودة إلى الفكرة الرئيسية لماذا نفض المسلمون والعرب الغبار عن رؤوسهم وأعادوا النظر في أدوارهم التي تعرضت للسرقة من قبل فئة قليلة حاكمة استأثرت بالمجد ونسبت لنفسها شرف التحدث باسم أمة كاملة لا تعرف عنها سوى عدد أفرادها، وآثرت استخدام كافة السبل الممكنة والتنازل عن الكثير مقابل القليل (المجد الدائم مقابل الانتصار المؤقت). هناك مثل شعبي يقول كثرت استخدام المطرقة قد يزعج المسمار أحياناً، فكيف بمن يدفعك لتصديق الكذب مرغماً ويحثك على الكذب تارة ويمنع عنك سبل العيش ومن ثم يسمح بها كما تفعل الآلهة الإغريقية.
مرت على الأمة الإسلامية محن كثيرة قامت بعدها بشكل أقوى مما كانت عليه، ففي كل مرة تصل الأمة إلى قمة الازدهار والتطور يدفعها ما يدفعها للنزول للحضيض والسبب من وجهة نظر إسلامية ترك عبادة وشكر مانح القوة والعظمة والعزة ومن وجهة نظر علمانية هو التمسك بالتاريخ الذي يعتبره المسلمون مشرفا بينما يعتبره أعداؤهم فترة من الهمجية والبربرية أطاحت بحضارتهم في بلاد العرب والمسلمين. حيث العلمانيين يتهمون المسلمين بالتأرجح بين التاريخ الذي وسم العرب بالعار والحضارة الغربية التي من أهم شروطها (كما يعتقدون مخطئين) ترك الدين والقيم والمبادئ التي أسست هذه الحضارة.
قد يضحي الإنسان بما يحب معتقداً أنه لن يستعيده في الانتصار مخطئً، لأن الإيمان بهدف سامٍ والموت في سبيله انتصار بحد ذاته.