الجمعة، 18 مارس 2011

عشاء سافر

عشاء سافر
همس سفير بأذن آخر: سفير دولة (عجيب ستان) أخذ كل الأضواء والكاميرات منذ دخوله القاعة، وكأن لا سفير غيره هنا.
رد الآخر: هذا طبيعي فالحرب مشتعلة في بلده، والصحافيون يتسابقون لأخذ السبق الصحفي لكي يصعدوا ويتصدروا القنوات على ظهره. ولاحظ أن سفير غريب ستان يهتم به بضع من وسائل الإعلام فقط (واسطة) لأن بلده يكتفي بتظاهرات وإسقاطات لا أكثر.
أجابه الأول: نحن مثل نجوم هوليوود، مادة دسمة للصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية (الإخبارية طبعاً).
الثاني: ولكنك بحاجة للتصرف بشكل فوق الاعتيادي كالظهور عارياً أمام الكاميرات كما يفعل نجوم هوليوود المبتدئين، لكي تستقطب المطبخ الإعلامي كاملاً الإخباري والفني على حدٍ سواء.
الأول ضاحكاً: أو أن تشعل حرباً داخل وطنك أو ثورة، لتكن طويلة الأمد، وأنا أؤكد لك أن تكون سوبر ستار التلفاز والانترنت على حد سواء. (وتابعا الضحك ولكن باستغراب).
*****
على طاولة أخرى جلس سفير عجيب ستان يتأمل في الصحن الفارغ أمامه تارة وبأضواء بعض الكاميرات تارة أخرى إلى أن قاطعه صوت أحد منظمي الحفل.
منظم الحفل: سيدي! آسف على المقاطعة ولكن جاء دور سيادتكم لإلقاء الكلمة، أرجو منك سيدي أن تتوجه للمنصة الآن.
السفير: أجل، طبعاً، طبعاً.
فجأة اشتعلت القاعة بأضواء الفلاشات كالبرق في الأفق منذرة بمطر غزير.  توجهت أنظار جميع من في القاعة نحو رجل في العقد الرابع طويل القامة يرتدي بدلة سوداء أنيقة، يمشي منتصباً متثاقلاً كأنه مدفوع إلى منصة الإعدام.
بدأ السفير حديثه بالترحيب بالضيوف والشكر لصاحب الدعوة، وأثنى على الجهود التي قدمتها هذه الدولة ودول أخرى في إغاثة المتضررين من الحرب في وطنه. تابع السفير حديثه بينما أغلب الحاضرين انشغل بالحديث مع بعضهم البعض. لاحظ السفير عدم الاهتمام بما يقول وتذكر منذ قليل أنه مذ دخل القاعة وعدسات المصورين تلاحقه حتى وصل المنصة ثم صمتت أصوا ت الكاميرات لبرهة بينما ينتهي من إلقاء الكلمة لتكمل عملها، عند هذه اللحظة لمع ضوء إحدى الكاميرات داخل بؤبؤ عينه ارتد رأسه قليلاً للخلف وشعر أن القاعة تدور به وأن الدم انطلق من أخمص قدمه حتى أعلى رأسه. عندها قال: أعزائي الحضور اسمحوا لي أن أحييكم من وراء منصة الإعدام! وتوقف عن الكلام لبرهة. لم يستطيع البعض كتم ابتساماتهم أو النظر إليه باستهزاء ردأ على تكبره كما يظنون، بينما اكتفا البعض الآخر بالنظر مندهشين لما قاله.
أضاف السفير: نعم زملائي الأعزاء إنها المنصة التي طالما حلمت أن أرتقيها لأدافع عن وطني وأحكي للناس قصصاً عن جمال وطني ولكنني لم أعرف أنها منصة تنعدم عليها الأحاسيس وتنعدم عليها العواطف وتنعدم عليها كل ما من شأنه أن يمت لحقيقة الإنسان الواقعية بصلة. فهنا عليك أن تكذب وهنا عليك أن تراوغ وهنا عليك أن تشتم وتضرب بالأحذية أحياناً، ولكنني لا أعرف لماذا يحسد من يقف خلف هذه المنصة؟ لماذا يحاول الناظر إليك أن يجعل منك سلعة لأحلامه؟ لماذا يخطر ببال البعض أن يستنبط سبباً للوقوف هنا؟
أنا أكره نفسي لأنني يجب أن أكون أمام عدسات الكاميرا وأبناء وطني أمام فوهات البنادق أكره أن آكل الطعام الفاخر وأبناء وطني يطوون أجسادمهم لإسكات بطونهم، أنتم تعتقدون أنني أجدها فرصة سانحة لأتصدر عناوين الأخبار وعدسات المصوريين (اشتعل أضواء فلاش بضع كاميرات أمامه ، ابتلع ريقه وظهرت عليه علامات الإرهاق، فك ربطة عنقه وأكمل قائلاً) أرجوكم أوقفوا التصوير جسدي لم يبقى فيه موضع رصاصة أخرى. إلى كل من يحلم أن يقف خلف هذه المنصة أنصحه أن يوافق على حضور عشاء فاخر يضم رؤوساء وسفراء ورجال أعمال ولكن بشرط واحد أن تكون الحرب مشتعلة في وطنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق