الثلاثاء، 5 أبريل 2011

فوبيا الإسعاف

فوبيا الإسعاف
   البارحة شاهدت مقطع فيديو لشاب سقط جريحاً خلال الأحداث الجارية حالياً في سوريا. ولكن، ما أثار تساؤلي هو اقتراح بعض الواقفين فوق ذلك الجريح أن ينقل إلى إلى عيادة الدكتور عامر؟ لم الدكتور عامر وليس الإسعاف؟ لم توقفت سيارة ورفض سائقها نقله وتابع طريقه؟ عدت بالذاكرة إلى الوراء حوالي عشر سنوات لحديث دار حول شخص خضع لاختبار قيادة السيارة وكان يشرح لنا كيف أن الضابط المسؤول عن الاختبار سأله قائلاً: إذا كنت تقود سيارتك في أحد الطرقات ورأيت جثة شخص ما لا تعرفه تعرض لإصابة جراء حادث سيارة يبدو أن سائقها صدمه وهرب ماذا تفعل في هذه الحالة؟ فأجابه (راوي القصة): سأكمل طريقي ولن أتوقف، وقد اتصل بالإسعاف من هاتف عمومي إن وجد. فما كان من الضابط إلا إن أعطاه درجة النجاح في الاختبار ليس لتخاذله اتجاه مساعدة الناس، بل لأنه قال الصدق ! ! نعم الصدق، لقد مرت فترة على سوريا حيث كانت مفرزة الشرطة المتواجدة بشكل دائم داخل أي مستشفى في سوريا تقوم بتوقيف الشخص المسعف بغض النظر عن مسؤوليته أو عدمها عن إصابة الجريح الذي قام بإسعافه، فإن حالفه الحظ استيقظ الجريح ونطق الصدق أن لا دخل للشخص الذي أسعفه بما جرى له وإن كان حظه سيئاً إما يموت الجريح أو يتهم المسعف بدمه.
   نسجت قصص كثيرة حول عمليات الإسعاف وحدثت قصص أكثر. على سبيل المثال كنت في دمشق في العام 2000-2001 خلال دراستي. وشهدت على حادثة بأم عيني في دمشق القديمة (ساروجا) حيث أن شخصاً سقط أرضاً دون أن ينبس ببنت شفة وسال من أنفه بضع قطرات من الدماء وقام أحد أصحاب المحلات القريبة مشكوراً بالاتصال بالإسعاف، وتجمعنا حوله ننظر إليه دون أن يجرأ احد منا على لمس نبضه لنعرف إن كان مازال حياً، ووصلت سيارة الإسعاف بوقت قياسي ونزل المسعفون من السيارة ومعهم ( نقالة ) وضعوها أمام جثة الرجل وهموا برفعه عليها ليقف رئيس دورية الإسعاف (على ما أعتقد) ويصرخ من سوف يذهب معه؟ خيّم الصمت علينا جميعاً (حوالي عشرون ذكراً بالغاً) ردد سؤاله مرة أخرى: من سوف يذهب معه؟ فأجاب أحد الواقفين الرجل سيموت إن لم توصله إلى المستشفى! ولكن المسعف لم يعره انتباهاً ووقف ينتظر حتى تقدم أحد أصحاب المحلات صارخأ: أنا أذهب معكم. عندها، تابع المسعفون وحملوه داخل السيارة وانطلقوا مع الرجل الذي تطوع للذهاب معهم.
   استمرت هذه الحال في سوريا حتى يوم أبيض صدر فيه قرار رئاسي ينص على منع توقيف المسعف أو السيارة التي يقودها والاكتفاء بأخذ بياناته وصورة من بطاقته الشخصية. وهنا أثبت بالدليل القاطع أن أفراد الشرطة لم يتجاوزوا القانون أبداً بل على العكس كانوا يقومون بواجبهم على أكمل وجه. طبعاً، فقانون الطوارئ في سوريا يمنحهم صلاحيات التوقيف بغض النظر عن الدليل أو التهمة، فالدليل والتهمة وأمر القاضي بالتوقيف يأتي لاحقاً في سوريا.

05-04-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق